أبية الريح - ليلة الميلاد

شاءت الأقدار أن أكون جثّة باردة في جوفِ كفن عند قبر ضيِّق يتّسعُ لصوت الذكرى وينغلقُ على زفرات الغياب الثقيلة. كان يومي الثاني في الحفرة حين جاءت صديقتي بعباءة من قهوة بلا سكر وخطى كأغنياتِ المطرِ المُباغِت. لم تبكِ لم تنثرِ الورود على قبري جلبَتْ كأسين من النبيذ الأسود وسكبت في جوفي دم الضحكات المسفوحة. (كل عام وأنتِ بخير) (كلّ عامٍ والموتُ أبهى)! هكذا قالتْ وهي تخبز في جوفِ الليل احتفالًا تُطفئ شموعًا لا ضوءَ لها تنادي الغياب ليُصفِّقَ معنا. على كعكةِ ميلادي بَنَتْ عنكبوتُ منسَجَها المتين نسَجتْ أمنياتي التي لم تُولد وغَزَلتْ بأطرافِها ترانيمَ الفناءِ. يا لصوت الضحكة إذ يمرح بين العظام يا لعُواء الفرح إذ يتوهجُ في سرداب الرماد! صرنا نرقص حول القبر نَدورُ كنجمتين ثملتين في مدار الفقد. لا نهتمُّ لعين القمرِ المُحدِّقة ولا لمواسم الحياةِ التي أُغلِقَ بابُها علينا. صديقتي ما كان للموت أن يكون حفرة إنّهُ وليمة الغيابِ المُشتهى مائدة الخلاص من خيبة الأعياد المنسيّة. وها نحن نُطفئ أعمارنا مثلما تطفئُ الريح ...