المشاركات

أبية الريح - ليلة الميلاد

صورة
  شاءت الأقدار أن أكون جثّة باردة  في جوفِ كفن عند قبر ضيِّق يتّسعُ لصوت الذكرى وينغلقُ على زفرات الغياب الثقيلة. كان يومي الثاني في الحفرة حين جاءت صديقتي بعباءة من قهوة بلا سكر  وخطى كأغنياتِ المطرِ المُباغِت. لم تبكِ لم تنثرِ الورود على قبري  جلبَتْ كأسين من النبيذ الأسود وسكبت في جوفي  دم الضحكات المسفوحة. (كل عام وأنتِ بخير) (كلّ عامٍ والموتُ أبهى)! هكذا قالتْ وهي تخبز  في جوفِ الليل احتفالًا تُطفئ شموعًا لا ضوءَ لها تنادي الغياب ليُصفِّقَ معنا. على كعكةِ ميلادي بَنَتْ عنكبوتُ منسَجَها المتين نسَجتْ أمنياتي التي لم تُولد وغَزَلتْ بأطرافِها ترانيمَ الفناءِ. يا لصوت الضحكة  إذ يمرح بين العظام يا لعُواء الفرح  إذ يتوهجُ في سرداب الرماد! صرنا نرقص حول القبر نَدورُ كنجمتين  ثملتين في مدار الفقد.   لا نهتمُّ لعين القمرِ المُحدِّقة ولا لمواسم الحياةِ  التي أُغلِقَ بابُها علينا. صديقتي ما كان للموت أن يكون حفرة إنّهُ وليمة الغيابِ المُشتهى مائدة الخلاص  من خيبة الأعياد المنسيّة. وها نحن نُطفئ أعمارنا مثلما  تطفئُ الريح ...

النور حمد يكتب: الحكومةُ الموازية هي بداية المخرج

صورة
  منذ أن فقد الكيزان وجيشهم غير الوطني، وغير المهني، المؤدلج، ومليشياتهم، السيطرة على المقار الحكومية في الخرطوم، وهروبهم إلى بورتسودان في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، متخذين منها عاصمة بديلة، بدا لي، بوضوحٍ شديد، أن في الأمر رمزية. أعني، رمزيةً تشير إلى أن تماسكهم المعنوي قد تضعضع، وأن أوان ذهابهم قد أوشك. وقد يطول الوقت، وقد يقصر، لذهابهم النهائي، وفقًا لعواملَ ومتغيراتٍ كثيرةٍ، لكنهم حتمًا ذاهبون، في نهاية الأمر. فمثل هذا الشر المستطير مصيره الزوال. وكما قال ملك ملوك الحكمة في الشعر العربي، أبو الطيب المتنبي: “أين الأكاسرةُ الجبابرةُ الأُلَى، كنزوا الكنوزَ، فما بَقِينَ، ولا بَقُوا / مِنْ كلِّ من ضَاقَ الفضاءُ بجيشِهِ حتَّى ثَوَى فحَوَاهُ لَحْدٌ ضيِّقُ / فالموتُ آتٍ والنفوسُ نفائسٌ والمُسْتَعِزُّ بما لديهِ الأحمَقُ”. لقد كان هروبهم إلى ذلك الطرف القصي من البلاد، الذي تفصل بينه وبين بقية البلاد سلسلةٌ جبليةٌ ليس فيها سوى معبرٍ واحدٍ يسمى العقبة، جرى نحته في قمة الجبل، أمرًا له مغزاه، فهم لم يختاروا بورتسودان عشوائيًا. فلقد كان في وسعهم اختيار عطبرة، وهي تقع حيث الحاضنة الشعبية لل...

محمد ابراهيم عمر :  سُورَةُ الفَاتِحِ مِنَ الْعِشْقِ

صورة
نَسْتَوْطِنُ كَيْنُونَةَ الجَمَالِ وَالخَاصِرَةِ، وَنَتَوَكَّأُ البَابَ الوَطِيءَ لِمُبَاحِ الابْتِهَالِ. بِمُرْتَفَقِ تَفْتِيحِ بَشَرَةِ النِّدَاءَاتِ، وَانْحِدَارِ الغِنَاءِ طَوَاعِيَةً بِوحْدَةِ انْفِصَالِ الطَّبِيعِيِّ مِنْ نَاصِبَاتِ الخِطَابِ. وَإِذْ يَتَمَشَّى العَاشِقُ فِي سَاعَةِ فَيَضَانِ البَوْحِ حِينَ يُمْسِكُ النَّهْرُ أَمْوَاجَ قَلْبِهِ العَاتِيَةَ وَتَهْصِرَهُ أَصْوَاتُ المُنَاصَفَةِ، وَمُنَاهَضَةُ اللُّطْفِ وَتَمْجِيدُ العَالِي مِنَ الْبَحْرِ بَيْنَمَا يَتَهَاوَى القَلْبُ بِتَأْوِيلِ أَوْبَةِ الجِرَاحِ. وَنُمَالِئُ أَيْضَ انْتِظَارِ صَوْتِهَا وَبِقَارِعِنَا لَذَّةُ الأَثَرِ.. وَنَقُولُ فِي حَذَرِ العِبَادِ؛ هِيَ قِبْلَةُ وَقُبْلَةُ اليَافِعِ مِنْ ضِيَاءِ فَاتِحِ القَوْلِ أَثْنَاءَ غَيْهَبِ الحَنِينِ. وَلَوْلَا نُمَحِّصُنَا فِي أَلَقِ الرَّحِيمِ الطُّفُولِيِّ وَنَنْهَضُ لِأَنينٍ مُتَيَقِّظٍ فِي مَسَارِ العَويلِ. وَنُزَكِّي أَنْفَسَ مَا فِينَا لانْدِلَاقِ الوَاهِي مِنْ بَرْزَخِ الوَحِيدِ، وَلا وَقَرَ فِي انْحِبَاسِكَ فِي النَّهْدِ الرَّاكِضِ؛ المُحْيِي لِعِظَامِ الحُبِّ م...

ريم سالم - بائعة الذرة

صورة
انا بائعة الذرة المشوية  التي سرقها امين الحي  وحارسه المصون من حقل أيتام.. واحيانا أبيع الهوى..  لا تلوموني.. غيري باع جروف النيل الأزرق..  واشترى جارية وكلب وحديقة يلعب فيها النرد..  و يزرع الحشيش..  اشتم رائحة الحشيش اعرفها جيدا..  فلقد علمتني الطبيعة...  وعلمني سفري في الارجاء.  أن اميز بين القات اليمني..  والحشيش  الأفغاني..  ان اميز اي نوع من التفاح في نفحة دخاني  ان اعد نسبة النعناع  في كوبي.. أعلم كم تمرة في كاسي..  لذا انا أبيع الكلام  فسوق عكاظ بات سهلا  أبيع الماء في حواري السقا..  أبيع الأمن بلا سلاح..  أبيع الضحكة للمبهجين...  أبيع ظلمة الليل لللصوص..  وامواج البحر للقبطان..  دقاش لا يعرف كتيرا عن المزادات والمزايدات.  لم ياخذ دروسا عن التسويق..  فمن فزلكتي بعت قطعت أرض ناصية.  بابين وضلفة ونص ناصية تانية..  بعتها قبضت الثمن مئة مرة..  فبت شرهة للحياة فسالم الزير..  ضعيفا..  لا يستطيع مجاراتي..  فمن جدها يوسف..  تركع عند ...

كارلوس الباشا - عزف على قمة الألم

صورة
منذ متى كبر حجم الجحيم  اه يا وجع الجنوب  كلما شيدنا الطرقات  تهدمه الطغاة  و كلما اقتربنا الى نحن هو نحنُ  فى الآخر  بعضنا ، جُلنا فى الإنتماء  تفصلنا فوهة البنادق الصيد البشري  و نبكي ثانيةً   هكذا الحزن  أيتها الجنوب الحبيبة  عذراً  ما من شيئا  العجز وحده يحاصرنا  و نحن الذين خرجنا من صلصال  البلدين  و استنزف الطرقات أرواحنا  المبعثرة بين سياج الأوطان  عذراً أيتها الحبيبة  فانني أعشق البلدين  كما لو كأنهما جزء من أجزاء جسدي النحيل  لكني لستُ نبياً او رسولاً  او حكيماً  لاوقف عجلات الخراب  اه يا أيتها الوجع التى تمتص أرواحنا  منذ احقبة  لك السلام ... لك السلام  يا اوردة قلبي المنفيةُ  توبي للاوطان  آه يا بلادي  بلادنا لكننا ننتمى لك وحدك فى الإنتماء  لماذا قتلتنا قبل ان نتعلم المشى  على شوارعك  أهكذا الأوطان برب هذا الخراب  قل لنا لو مرةً أين دروب الاوطان الخالية من الأوجاع  ما معنى ان يحيا المرء دون وطن...

أبية الريح - حياة من نور | الباقر العفيف

صورة
  ______________________ "إنما نحن أفكارنا وعقيدتنا ومبادئنا، ولكن هذه الأفكار التي نحملها قد تصبح ثقيلة على صدورنا إذا لم تكن مصحوبة بالعمل والمثابرة." كان هذا أحد أوجه فكر الدكتور الباقر العفيف، الذي رحل عن عالمنا تاركًا وراءه سيرة مشرفة تليق بمن عاش من أجل الكرامة الإنسانية، يغيب عنا رجل كان لوجوده أثر عميق في حياتنا السياسية والفكرية، ترك بصمات لا يمكن طمسها. كان الباقر العفيف أحد أولئك الذين لا تنحصر حياتهم في زمن أو مكان معين. هو ابن الأرض السودانية، نشأ في "الحوش" التي تكمن في عمقها هوية طافحة بكل ما هو سوداني أصيل، وفي الوقت ذاته كان أفقًا منفتحة على آفاق العالم. من جامعة الخرطوم إلى رحلته التعليمية في المملكة المتحدة مرورًا بمسيرته الفكرية الغنية التي الفكرة الجمهورية، حمل الباقر العفيف رؤىً لا تشبه أي رؤى أخرى .. رؤى مستنيرة لا تتوقف عند حدود الزمان والمكان بل تتجاوزهما لتشمل عوالم من الفكر والإنسانية. قضى الباقر سنواته في خدمة قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، شغوفا دائمًا بالنضال ضد الظلم والاستبداد. كان رجلًا لا يهاب الحقيقة ولا يركن إلى الراحة في سبيل ...

أبية الريح - بين الدنيا ونور الروح

صورة
حين يشرع الإنسان في مسيرته في الحياة، يتخطى الدروب ويشيد الآمال، تكون رغباته في البداية موجهة إلى ما هو مادي، ملموس، زائل، يظل يسعى وراءها دون أن يعي أن تلك الرغبات ما هي إلا سراب يسحر البصر ويضل الطريق. ففي اللحظة التي يتحقق فيها مراده الدنيوي، يعود ليكتشف أنه ليس سوى ركام من حلم قد تحطم على أرض الواقع. تلك الرغبات التي كانت يومًا أحلامًا منقوشة سرعان ما تذبل وتذوي بمجرد أن يتم الوصول إليها. يُشبع الإنسان حاجته المؤقتة لكنه يظل في فراغ يزداد اتساعًا بعد كل إشباع وكأنما الحقائق الكبيرة لا تكون دومًا في متناول اليد وإنما في الآفاق البعيدة التي تظل تلاحقنا بينما نسعى خلف ما في أيدينا. لكن الإنسان لا يبقى أسيرًا لهذه المتعة العابرة بل سرعان ما تبدأ نفسه في التوق إلى شيء أبعد شيء يتجاوز الحدود التي رسمتها له رغباته المادية. يبدأ في أن يدرك أن هناك فراغًا روحيًا وهو في أشد الحاجة إلى أن يُملأ. هكذا يبدأ سعيه نحو ما هو أسمى الروحانية، الإيمان، الطمأنينة التي لا تأتي من تكديس الثروات ولا تحقيق الرغبات العاجلة وإنما من البحث عن القرب من خالقه، والتوحد مع الوجود في حقيقته ولكن هذا السعي ليس ب...