هيلانة الشيخ - الكتابة




 الكتابة منحتني الحيّز الذي فقدته بين فرشتي وعتبة داري. كلما قست المسافة بينهما كلما أدركت كم أنا  محجّمة، اليوم تجاوزت فلسطين التي أنزفها وأزفّها في مراسم العيد والحرب، أشعر بالانتماء إلى كل من يقرأ لي وأقرأ له.

ففي مصر لي قلبٌ ينبّض الحجر، وفي اليمن لي من الزبرجد عينان. أمتدّ من أقصى المغرب مفتونةً بجباله إلى أبعد بقعةٍ في العراق.

أنا فراتٌ ونجدٌ وعدن، أنا مكّة والحجاز وبرج العرب، دمشقيّةٌ قاهريّة جزائرية سودانيّة الهوى تونسيّة الجوى فلسطينية من لبنان… 

وعندما أسترسل في القراءة أسافر من الأردن إلى ليبيا من دون جناحين لأحطّ في غابات شفشاون، ولا أكتمل في مورتانيا حتى أبلغ البحرين.

ولا أبرح مسقط حتى أستقيم في الإمارات… أنتم لا تعرفون عنّي غير ما أكتبه، لست نبيّةً ولا ملاكًا سقط بالخطأ من غيمةٍ على خليج العقبة عقابًا لكم! ولست حوريّةً خرجت مملحةً من بحرها الميّت بنصف قشورها الملوّنة؛ أنا بعضٌ من لحومكم ومن دمائكم أُمٌّ وأُمّة، عاشقةٌ وخائنة، هويّتي لغتي أقطف بها رؤوسكم وأبذرها في صدوركم وبين طبقاتكم لكَي أطبق بكم على قلبي فيستكين.

الفسق جزءٌ مني وأنا جزء من محرابٍ مهجور، أصلّي قيام الليل وأعربد تحت صنبور الماء، أخجل من تجاعيدي وندباتٍ لم تترك للقُبل متسعًا من الشغف، وأتبجّح بغشاءٍ لم ولن يُفض…. هو غشاء القلب.

لذا أفضّ المجالس بابتسامة لا تحتمل المعنى الحقيقي لنصٍ لم يكتب بعد.

فإن استجرح جلدي لا تقربوه ولا تلعقوه فنحن مجرد صورٍ وأسماء نتبادل الأمكنة ولا نلتقي، نضاجع أوجاعنا فنطرحها حجارة نتقاذف بها ونبكي على بعضنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى بهنس في ذكرى الشتاء - أبية الريح

النور حمد يكتب: الحكومةُ الموازية هي بداية المخرج

أحزابنا لا تعمل من أجل الوطن بل من أجل الحزب ولك الله يا سودان.