عوض عثـــمـان جبريل - خلوة روحية


خلـــوة روحية في زمن الوباء

كنت في طريقي إلى الجبل لخلوة روحية كانت مؤجلة منذ زمن بعيد.. قررت أن أمشيها سيرا على الأقدام..لم يرشدني لهذه المهمة سوى رؤيا مبشرة لم تفارقني لزمن طويل، و قد حان الوقت الآن مع هذا الإغلاق شبه الكامل للبلاد بسبب الوباء.. يقول الصينيين كل شئ يأتي في وقته.. هكذا تمنحنا الصين الحكم والوباء لو صدقت الاخبار الرسمية أنهم هم المصدر .. استغرقت معي الرحلة أربعة أيام حتى وصلت على تخوم الجبل. لا أحمل معي إلا الكثير من الصبر والحكمة وكثيف من التعب ...

تذكرت وصية أحد المعارف اوصاني بزيارة شيخ صالح في القرية قبل الصعود لأعلى الجبل.. فكرت أن أتوقف عنده والقي عليه التحية و من ثم اواصل بقية المشوار .... عندما وقفت قرب الباب بعد المدخل الفسيح  وقبل أن اطرق سمعت حديثه بلغة أجنبية فجلست في سرير  تحت شجرة متوسطة الحجم حتى ينهي ذلك الحوار .. كان الجو وقت السحر والسماء تنذر بالمطر.. فجأة شعرت بالنعاس يتسرب داخل جسمي  رأيت حياتي السابقة كلها والحالية والمستقبل... كانت خلوتي في يومها الأخير و قررت بعدها أن انزل بعد صلاة الصبح... في تلك اللحظة شعرت بصوت يناديني باسمي يتردد صدى الصوت كأنه خارج من أزمنة سحيقة... بدأ الصوت يقترب مني وشعرت برائحة مسك احاطتني سيطرت على كل أحاسيسي لكأني لم أعرف حاسة الشم إلا الآن في هذه اللحظة بالتحديد ... أين أنا يا الله.. وفجأة أبصرت عيني الشيخ واقف أمامي ويخاطبني بإسمي وقال لي كيف كانت خلوتك في الجبل يا صابر..؟ أحكي لي عنها بعد الصلاة.. هيا بنا نستعد الآن لصلاة الفجر.. قلت له متى خرج ضيفك الذي كنت تتحدث معه بلغة أجنبية؟ ابتسم ثم قال لي انتهى حديثنا منذ عشرة أيام.. هل تقصد أنني نمت طيلة هذه المدة هنا.. ؟ قال لي وجدناك هنا منذ ذلك الوقت و قلت لهم لا تزعجوه فهو في خلوة عند الجبل .. ذهب متجها نحو المصلى وتركني غارق في حيرة من أمري واسئلتي الحائرة دون أجوبة .. كيف عرف إسمي..؟ قلت له في سري قدس الله سرك أيها الشيخ.... هل الرحلة انتهت هنا عندك قبل أن تبدأ؟؟؟ ....
تبسم الشيخ كأنه أطلع على ما بداخلي وقال لي إذا أردت أن تذهب مرة أخرى إنني سوف أصعد يوم غدا في خلوة لمدة ثلاثة أيام يمكنك أن تحضر معي لو رغبت في ذلك.. وواصل بابتسامة : نحن نصعد لنتعبد ونختلي في الجبل وأنت يأتيك الجبل في منامك يا لورعك ولحظك .. قلت له الأعجب هو مشاهدتك ودخولك في تفاصيل حلمي.. قال لي كنت أنتظرك من زمن بعيد لأسلمك الأمانة.. عندما كان يصلي بنا الشيخ في حضرة عدد من الحوار سمعت بعد نهاية سورة الفاتحة حين كنا نردد آمين.. بدأ صوت عشرات من الآلاف يتردد من خلفنا.. اصابتني رعشة سرت في كل  خلايا جسمي .. الشئ الوحيد الذي كنت احتاجة  في ذلك الوقت قسط من التفكير والتأمل وفنجان من القهوة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى بهنس في ذكرى الشتاء - أبية الريح

النور حمد يكتب: الحكومةُ الموازية هي بداية المخرج

أحزابنا لا تعمل من أجل الوطن بل من أجل الحزب ولك الله يا سودان.