فتحي إسماعيل - مقهى قديم



مقهى قديم

الفتى الذي يجلس بجوار الفتاة الحسناء، يبستم بثقة مُغيظة ومَقيتة، يهمسُ في أذنها. البللُ يلمع على شفتيه، يتراقص لسانه المبتل هو الآخر.. لسانه لا يفتأ يخرج من بين شفتيه، نظرات عينيه لزِجة كذُبابة، تحطّ على خد الفتاة وأنفها وشعرها، لا يلتفت لما حوله. يفوّت على نفسه متعة النظر من النافذة المطلة على الميدان العتيق الأنيق، ومشهد السماء بزرقتها المُلبّدة بسُحُب بيضاء قطنية، لا يرى وجوه الناس وابتساماتهم وحكاياتهم التي ترويها العيون وحركات الأيدي. لا يراني وأنا أشفق عليه من مغبة الوقت الضائع، يتجه بكلّه ناحيتها.. هي لا تعطيه كلّها، فقط جانب وجهِها، بينما عيناها حرة من شِباكه، تتأمل روّاد المكان بفضول طفولي، ثم تتنقل عيناها ما بينه وبين النافذة التي تجاورها.
***
الشاب الغارق حتى الثُمالة في تفاصيل الحسناء، يهمسُ في أذنها بكلمات.. بدت من انشغال عينيها عنه أن حديثه مُمِلّ. لم ينتبه إلى جحافل النمل التي تخرج من فمه وتصعد على أنفه وتنتشر فوق جبهته.
***
الرجل الذي لم يملّ من الهمس في أذن الحسناء، لم يُثنِه الكرسيَ الذي بدأ يئز مِن تحته، والمنضدة التي علاها التراب، والنادل الذي انحنى ظهره.
ولا انتبه لظهر الفتاة الذي تقوّس، ولكنّه تابع حديثه الهامس.
***
الكهل الوحيد الذي غمرته أتربة المكان المهجور، يكاد وجهُه يلامس الأرض، وهو يهمس للفراغ، وبين الحين والحين يطلق ضحكةً عاليةً.
***
سئمتُ انتظاره.. ومللت صبري عليه حتى ينتهي من حديثه الذي لم أستمع منه لكلمةٍ واحدة، فقررّت الرحيل، توكأت على عصا لم تكن معي حين جئتُ. وانصرفتُ تاركاً ورائي المقهى الخالي إلّا من كوب فوق مِنضدة أكل سيقانها السوس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى بهنس في ذكرى الشتاء - أبية الريح

النور حمد يكتب: الحكومةُ الموازية هي بداية المخرج

أحزابنا لا تعمل من أجل الوطن بل من أجل الحزب ولك الله يا سودان.