أضغاث أوهام
أضغاث أوهام
إنها الواحدة و الثلث صباحاً بتوقيت مدينتي
و ها هي الشوارع قد خلت تماماً من المارة إلا مسافر عائد من المطار أو مريض عادوا به من المشفى، الجميع هنا قد غرقوا في النوم و البعض غرقوا في أحلام،
لم يعد أحد مساهر إلا ذلك العاشق الذي هجرته حبيبته أو ذلك المغترب الذي هجر وطنه، أو ذلك الكادح الذي يفكر في لقمة عيش ليوم غد يوفرها لعائلته، أو امرأة قامت تدعو الله في خلوة أن يرد ابنها الغائب، كل هؤلاء البائسين لم يأخذوا حظهم من النوم الآن .
و ها أنذا أجلس في منتصف سريري ، أسند ظهري على جدار غرفتي الذي ملّ من طول ما آواني، أنا ممتن جدا لهذه الغرفة التي لطالما تحملت تقلبات الطقس بداخلي ، تحملت حزني و كآبتي و ضجري و أرقي،
يتسلل عبر نافذة غرفتي ــ المفتوحة نصفياً ــ ضوء القمر ليسقط شعاعه على مكتبتي المهترئة التي اكتظت بكتب لم أجد الوقت لقراءتها بعد، بل لم أجد المزاج الجيد لأطالع كتبي الجديدة ، فقلّما أمسك كتاباً لأتصفحه حتى يمر علي طيف الوطن المتقطع الأحشاء، فيشرد ذهني ليفكر ماذا سيحدث غداً لك يا وطني ؟
ماذا تخبيء الأقدار؟
خارج محيط غرفتي الكئيبة و باحة المنزل تلتقط أذني أصوات قطط تصرخ بقوة في وجه بعضها البعض ، تلك القطط لديهم معركة كل ليلة تقيمها بالقرب من غرفتي حتى اصبحت أستمتع بمعركتهم و لا يروق لي بالاً إن غابت تلك القطط يوماً عن المعركة فقد اصبحت معركتهم روتيناً ثابتاَ بالنسبة لي ، أنظر إليها من خلال نافذة الغرفة الأخرى ثم أعود مجدداً لفراشي و مخدتي المبللة بالبؤس و الضجر فأتوسط سريري ثم أحتضنها و أمسك بهاتفي فأتصفح مواقع التواصل، الواتس اب تارة و الفيس بوك تارة أخرى
أكتب نصاً ثم أمحو ما كتبت
أكتب رسالة لصديق ثم أمحوها لعلها قد توجعه فظاظتها و أسلوب العتاب الجاف الذي استخدمته
أغمض عيني متوسلاً للنوم أن يزورني فيأبى النوم اللعين و يكابر ثم ينأى عني و كأنه يخشى أن أصيبه بعدوى مرض فتاك
أعود فأنكفيء في ذاتي و انفس عن نفسي في هيئة كلمات مبعثرة يعتبرها البعض نصاً
تعليقات
إرسال تعليق