في رثاء ود الشيخ

 




أيُّها الطيف 

... غادرتَنا خِفافًا كأنَّكَ ريحٌ تهامَسَتْ معَ الغيبِ، 

أتراكَ سمعتَ نداءً من بَعدِ السِّترِ فخلعتَ الجسدَ كعِباءةٍ بالية؟

أيُّها الرُّوحُ، لَمْ تَعُدْ مَسجونًا في زِنزانةِ اللحمِ والعَظم،

فقد خرجتَ من ضَجيجِنا إلى صَمتٍ يتهادى تحتَ قُبَّةِ الحقِّ.


كم كانتْ الأرضُ تضيقُ بخُطاك، فتضجُّ أقدامُكَ بالحنينِ إلى المدى،

وكم كان الجسد سَجّانك، يُثقِلُكَ بشهواتِه وقيودِه،

فلمَّا جاءَك الموتُ، لم يكن إلا مفتاحًا لبابِ السر،

لم يكن إلا يدًا خفيَّة نزعتْ عنكَ الوهمَ، لتُلقيكَ في حَقيقةِ النُّور.


 نراكَ، ولكن في مَدى آخر،

كأنَّكَ غيمةٌ عَبَرَت سماءَنا، تاركة المطر ذكرى لا تُمحى.

أتراك أدركت الآن ما كنَّا نتوهَّمه؟

هل سطع لكَ سرُّ (لِمَ) و(كيفَ)؟

هل رأيتَ العالم عارياً من أثوابِ الزَّيفِ التي نَلبسُها؟


نَحنُ يا صاحِبَ الرُّوحِ المُتحرِّر، ما زلنا نسير على درب من رماد،

ما زلنا نُلقي أسئلتَنا في فراغٍ لا يجيب،

وأنتَ الآنَ بينَ عِباءةِ الحقائقِ، تُبصرُنا صَغارًا في وهمِنا،

تُبصرُ الحياة كأنَّها مَوجةٌ تتكسرُ على شاطئ الأبد. 


ما أضيق الحياة حين نحسَبُها حياة، 

وما أوسع الموتَ حين يُصبحُ تحريرًا،

 نَزعتَ عنكَ أقنعتَكَ،

بَسطتَ جناحيكَ فوقَ هواءِ الحُريَّة،

لَستَ غائبًا، بل أنتَ أقرَبُ من أنفسِنا التي لا نَرى.


نحن العالقون بين هنا وهناك،

أنت ذاهبٌ إلى البَعيدِ القريب،

رُوحُكَ تَتسلَّقُ المعنى، وتعيد صياغة الأبدية في صمتها،

فلتنمْ يا ود الشيخ، في مقامِك الجديدِ، مقامِ الحقِّ والنُّورِ.


 غَدوتَ نجمةً في سماءٍ بلا ليلٍ،

غَدوتَ صَدًى في فراغٍ مليءٍ،

وغَدونا نحنُ شَظايا معنى، نُحاولُ أن نُعيدَ لَمَّها بينَ الحُطام.

سلامٌ على روحِكَ،

سلامٌ على تحرُّركَ من سجنِنا الكبير.

...

___________________________


أبية الريح الثلاثاء ٣ ديسمبر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى بهنس في ذكرى الشتاء - أبية الريح

النور حمد يكتب: الحكومةُ الموازية هي بداية المخرج

أحزابنا لا تعمل من أجل الوطن بل من أجل الحزب ولك الله يا سودان.